تعانق الدين والعلم في تاريخنا الإسلامي
13/05/2010 - 10:41am
الدارس لحضارتنا الإسلامية ولتاريخنا الإسلامي -بعُمقٍ- يجد فيه مآثر ومزايا لا توجد في غيره من تواريخ الأُمم والحضارات، وكلها من آثار الإسلام وتعاليمه، ونضحه على الأُمة التي صنعت هذا التاريخ.
من هذه المآثر والمناقب المشهورة: أن العلم والدين في حضارتنا يتعانقان ولا يتصارعان، ويتفقان ولا يختلفان؛ فالدين عندنا علم، والعلم عندنا دين. ولهذا لم يقُم عندنا ما قام عند أمم أخرى -مثل الأمم الأوربية في عصورهم الوسطى- من صراع تأجَّجت ناره بين العلم والدين، أو بين الفكر والعقيدة، أو بين الشريعة والحِكمة.
لقد عرَف تاريخ أوربا هذه المعارك المُشتعلة بين العلم والدين، وبعبارة أخرى: بين رجال العلم والفكر من رُوَّاد الابتكار والاختراع في مجالات العلم المختلفة من ناحية، وبين رجال الكنيسة الغربية المُمثِّلين للدين والمُتكلمين باسمه من ناحية أخرى... فقد تبنَّوا نظريات معينة تلقوها من فلسفة اليونان، أضفوا عليها لونًا من القداسة والعصمة -وهي فكر بشري محض- ولم يسمحوا لأحد أن يُخالفها، أو يخرج عن إطارها، ومَن فعل ذلك استحقَّ لعنة الله، وحُكم عليه بالإلحاد والهرطقة، والمُروق من الدين.
وأنشئت (محاكم التفتيش) الرهيبة، لتُلاحق هؤلاء الذين اجترءوا على حُرمة الدين، واستباحوا الحِمى المُحرَّم، وخرجوا عن النطاق المرسوم، فقرَّروا مثلاً: أن الأرض كُروية، وليست مبسوطة.
هذا في الوقت الذي كان فيه طلاب العلم من المسلمين يقرءون في كتب التفسير مثل: تفسير الفخر الرازي، وفي كتب (علم الكلام) مثل كتب الجرجاني والتفتازاني، وفي كتب (المِلل والنِّحل) مثل كتاب ابن حزم (المتوفَّى 456هـ): فكرة كُروية الأرض والتدليل عليها[1]، ولا يجدون في ذلك حرجًا في الدين، ولا عنتًا في الدنيا.
لقد نشأ المنهج العلمي الاستقرائي التجريبي في تُربة الحضارة الإسلامية، ونما وترعرع على أيدي علماء المسلمين، نظريًّا وفلسفيًّا، وعمليًّا وتطبيقيًّا. ونمت علوم الفيزياء والفلك والكيمياء والتشريح والطب والرياضيات وغيرها، نموًّا حافلاً، تُوِّج بتطبيقات ناجحة في شتَّى مجالات الحياة والإنسان. وكذلك نقد المسلمون المنهج الصُّوري القياسي الأرسطي، كما نرى ذلك في نقد ابن تيمية للمنطق نقدًا علميًّا رصينًا[2].
وعن الحضارة الإسلامية أخذ الأُوربيون المنهج التجريبي؛ روجر بيكون، وفرنسيس بيكون وتلاميذهما، إنما تتلمذوا على المسلمين وعلومهم وحضارتهم، واقتبسوا منهم، ونقلوا عنهم، وهذا ما اعترف به المؤرخون والباحثون المنصفون من الغربيين.
د. يوسف القرضاوي
المصدر: كتاب (البابا والإسلام) للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، نقلاً عن موقع القرضاوي.
من هذه المآثر والمناقب المشهورة: أن العلم والدين في حضارتنا يتعانقان ولا يتصارعان، ويتفقان ولا يختلفان؛ فالدين عندنا علم، والعلم عندنا دين. ولهذا لم يقُم عندنا ما قام عند أمم أخرى -مثل الأمم الأوربية في عصورهم الوسطى- من صراع تأجَّجت ناره بين العلم والدين، أو بين الفكر والعقيدة، أو بين الشريعة والحِكمة.
لقد عرَف تاريخ أوربا هذه المعارك المُشتعلة بين العلم والدين، وبعبارة أخرى: بين رجال العلم والفكر من رُوَّاد الابتكار والاختراع في مجالات العلم المختلفة من ناحية، وبين رجال الكنيسة الغربية المُمثِّلين للدين والمُتكلمين باسمه من ناحية أخرى... فقد تبنَّوا نظريات معينة تلقوها من فلسفة اليونان، أضفوا عليها لونًا من القداسة والعصمة -وهي فكر بشري محض- ولم يسمحوا لأحد أن يُخالفها، أو يخرج عن إطارها، ومَن فعل ذلك استحقَّ لعنة الله، وحُكم عليه بالإلحاد والهرطقة، والمُروق من الدين.
وأنشئت (محاكم التفتيش) الرهيبة، لتُلاحق هؤلاء الذين اجترءوا على حُرمة الدين، واستباحوا الحِمى المُحرَّم، وخرجوا عن النطاق المرسوم، فقرَّروا مثلاً: أن الأرض كُروية، وليست مبسوطة.
هذا في الوقت الذي كان فيه طلاب العلم من المسلمين يقرءون في كتب التفسير مثل: تفسير الفخر الرازي، وفي كتب (علم الكلام) مثل كتب الجرجاني والتفتازاني، وفي كتب (المِلل والنِّحل) مثل كتاب ابن حزم (المتوفَّى 456هـ): فكرة كُروية الأرض والتدليل عليها[1]، ولا يجدون في ذلك حرجًا في الدين، ولا عنتًا في الدنيا.
لقد نشأ المنهج العلمي الاستقرائي التجريبي في تُربة الحضارة الإسلامية، ونما وترعرع على أيدي علماء المسلمين، نظريًّا وفلسفيًّا، وعمليًّا وتطبيقيًّا. ونمت علوم الفيزياء والفلك والكيمياء والتشريح والطب والرياضيات وغيرها، نموًّا حافلاً، تُوِّج بتطبيقات ناجحة في شتَّى مجالات الحياة والإنسان. وكذلك نقد المسلمون المنهج الصُّوري القياسي الأرسطي، كما نرى ذلك في نقد ابن تيمية للمنطق نقدًا علميًّا رصينًا[2].
وعن الحضارة الإسلامية أخذ الأُوربيون المنهج التجريبي؛ روجر بيكون، وفرنسيس بيكون وتلاميذهما، إنما تتلمذوا على المسلمين وعلومهم وحضارتهم، واقتبسوا منهم، ونقلوا عنهم، وهذا ما اعترف به المؤرخون والباحثون المنصفون من الغربيين.
د. يوسف القرضاوي
المصدر: كتاب (البابا والإسلام) للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي، نقلاً عن موقع القرضاوي.
[1] قال أبو محمد بن حزم تحت عنوان (مطلب بيان كروية الأرض): وهذا حين نأخذ -إن شاء الله تعالى- في ذكر بعض ما اعترضوا به، وذلك أنهم قالوا: إن البراهين قد صحَّت بأن الأرض كُروية، والعامة تقول غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق: أن أحد من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها، قال الله : "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ" (الزمر: 5)... انظر: الفصل في الملل والنحل لابن حزم 2/78.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق