الاثنين، 15 أكتوبر 2012

العالم يعيش عصر الأمراض النفسية !


نفسيّات

العالم يعيش عصر الأمراض النفسية !
 




 • الاضطرابات النفسية تصيب أكثر من نصف سكان العالم :


7% يعانون الاكتئاب النفسي و1% الفصام و3% الوسواس القهري ، وثلث البشر مصابون بالقلق .

• كم تتكلف الأمراض النفسية !؟ معاناة المريض النفسي تفوق مرضي السرطان والعمليات الجراحية .

• طبيعة خاصة للأمراض النفسية .. وأعباء هائلة علي المرضي وأقاربهم والمجتمع .
 

هل يعيش العالم الآن عصر انتشار الأمراض النفسية !؟ .. قد تكون الإجابة علي هذا السؤال مدعاة لقلقنا جميعاً .. ومن خلال قراءة التقارير العالمية وما تتضمنه من الأرقام حول انتشار الأمراض النفسية في العالم اليوم .. والاتجاه إلى زيادة أعداد المصابين بها في كل المجتمعات بغير استثناء .. وهنا في هذا الموضوع نناقش دلالات الأرقام ..

وتشير الدراسات التي أجريت في مجتمعات مختلفة في بلدان العالم في الشرق والغرب إلى وجود الأمراض النفسية بنسب متفاوتة في كل مكان ولا يكاد يخلو من أنواعها المتعددة أي مجتمع من المجتمعات ، وقد أكدت ذلك دراسات متعددة للأمراض النفسية في دول الغرب المتقدمة وبعض المجتمعات البدائية ،

 والدول التي يطلق عليها العالم الثالث ، وتدل دراسات أخرى على تشابه أعراض الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان في المجتمعات المختلفة من حيث مظاهرها الرئيسية ، وإن لوحظ اختلاف في بعض التفاصيل خصوصا المعتقدات التي ترتبط بالمرض النفسي ، ومفاهيم الناس وتفسيرهم لأسبابها ،

والأعراض ، والطرق التي يلجأ إليها الإنسان للعلاج حيث يختلف ذلك تبعا للخلفية الثقافية والاجتماعية ، وتذكر تقارير منظمة الصحة العالمية أن الأمراض النفسية تختلف عن غيرها من المشكلات الصحية الأخرى في أنها تتسبب في الإعاقة ، وتمنع المصابين بها من أداء وظائفهم في المجتمع بصورة تفوق غيرها من الأمراض الأخرى ،

كما أن التقدم الطبي الذي أدى إلى تحسن غير مسبوق في الحالة الصحية الإنسان في بلدان العالم في السنوات الأخيرة ، والذي تمثل في التخلص من كثير من الأمراض المعدية التي ظلت لوقت طويل تحصد الكثير من الأرواح لم يواكبه تطور مماثل في الصحة النفسية حيث أصبحت الأمراض النفسية تشكل تهديدا خطيرا وتحديا للإنسانية في العصر الحالي.
 

حجم المشكلة بالأرقام :

تشير الإحصائيات الصادرة من منظمة الصحة العالمية إلى تزايد هائل في انتشار الاضطرابات النفسية في العالم نتيجة لعوامل كثيرة ومتداخلة ؛ نفسية ، وبيولوجية ، واجتماعية ، ويمكن من خلال الأرقام الاستدلال على حجم المشكلة حيث إن الاضطرابات النفسية تصيب أعدادا كبيرة من الناس في مختلف مراحل العمر ، ومن مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية ، وتتسبب في تدهور ومعاناة يمتد تأثيرها من المريض إلى الأسرة و المجتمع
 

وهنا نقدم بعض الأمثلة من خلال تقارير منظمة الصحة العالمية حول مدى انتشار الأمراض النفسية :

- مرض الفصام العقلي " الشيزوفرينيا "Schizophrenia  .

ويعد من أسوأ الاضطرابات العقلية من حيث تأثيره على التفكير والسلوك و الحكم على الأمور وما يتميز به من تدهور في شخصية المريض وميله إلى العزلة والسلوك العدواني ، ويبلغ عدد حالات الفصام في بلدان العالم 45 مليون إنسان ، وتصل نسبة الإصابة إلى 1% من السكان في أي مجتمع ، ويمثل مرضى الفصام أكثر من 90% من نزلاء المصحات والمستشفيات العقلية .
 

- الاكتئاب النفسي Depression  .

يطلق علي الاكتئاب مرض العصر الحالي ، وهو أحد أكثر الأمراض النفسية انتشارا ، وتؤدى الإصابة بالاكتئاب إلى العزلة وفقدان الاهتمام بالحياة وتزايد احتمالات الانتحار ، ويصيب الاكتئاب النساء أكثر من الرجال ، ويقدر عدد حالات الاكتئاب في العالم بحوالي 340 مليون حالة ، ونسبة الإصابة بالاكتئاب تصل إلى 7% من سكان العالم ، ويؤدى إلى ما يقرب من 800 ألف حالة انتحار كل عام.
 

- حالات الخرف Dementia

تحدث هذه الحالات عادة في الشيخوخة ، وتصاحبها تغييرات في الجهاز العصبي لكبار السن تؤدى إلى تدهور الذاكرة والسلوك وكل العمليات العقلية ، وعدد هذه الحالات في دول العالم حوالي 25 مليون شخص في الوقت الحالي ، وينتظر أن يزيد هذا العدد ليصل إلى 80 مليون شخص بعد عدة سنوات ، وتصل احتمالات الإصابة إلى 5% فوق سن الستين ، وتزيد احتمالات الإصابة إلى 20% فوق سن 80 سنة ، ومن المتوقع مع تزايد عدد كبار السن في كل مجتمعات العالم في السنوات القادمة تزايد الحالات المرضية أيضا مع مشكلات رعاية المسنين وأعباء ذلك على الأسرة و المجتمع .
 

- التخلف العقلي Mental Retardation  .

ينشأ التخلف العقلي عن نقص الذكاء وعدم اكتمال نمو العقل ، وتتراوح هذه الحالات في شدتها ودرجاتها ، وتصل نسبة الإصابة بالحالات المتوسطة و الشديدة منها إلى 2-4% من السكان ، ويقدر عدد الحالات بحوالي 100 مليون إنسان ، وتعتبر هذه الحالات غير قابلة للعلاج فيما عدا بعض خطوات التدريب و التأهيل لمساعدة بعض الحالات.
 

- أمراض أخرى :

من الأمراض النفسية والعصبية الأخرى التي وردت في إحصائيات منظمة الصحة العالمية والاضطرابات التي تسبب العجز والإعاقة العقلية مرض الصرع Epilepsy ، وهو أحد أكثر الأمراض العصبية انتشارا ، ويتميز بنوبات من فقدان الوعي والتشنجات ، وله أنواع متعددة ، وتصل نسبة الإصابة به إلى 0.5 - 1% حيث يقدر عدد الحالات بحوالي 40 مليون شخص في العالم ومرض الوسواس القهري الذي اعتقد الأطباء لوقت طويل انه نادر الحدوث لكن الأرقام تشير إلى نسبة انتشار عالية لهذه الحالات تقدر بحوالي 3% من الناس .
 

أعباء الأمراض النفسية :

بالنسبة لأعباء المرض النفسي على المريض وأسرته والمجتمع فقد تم تحديد عدة أوجه لهذه الأعباء ، وقد ذكرت تقارير منظمة الصحة العالمية أربعة أنواع من أعباء الأمراض النفسية التي تتسبب في المعاناة للمرضى النفسيين وأسرهم والمجتمع ، وهى :

-العبء المعرف أو المحدد Defined burden ويتمثل في العجز أو الإعاقة التي تنشأ عن الإصابة بالمرض النفسي وتأثيره على مواصفات الحياة quality of life ، وتمثل نسبة أعباء الأمراض النفسية والعصبية 10.6% من مجموع الأمراض مجتمعة ، كما تتسبب بها في ضياع 28% من سنوات الحياة للمرضى الذين يعانون منها.

- العبء غير المحدد Undefined burden ويتضمن الخسائر المادية والاجتماعية التي تنشأ نتيجة للإصابة بالمرض العقلي للمريض نفسه والمحيطين به من أفراد أسرته والمجتمع ، ولا يمكن تقدير ذلك بالأرقام حيث يتضمن التكاليف المادية للعلاج والتأهيل، ونقص الإنتاجية ، والأعباء النفسية على أفراد الأسرة وتأثر حياتهم وإنتاجيتهم .

- العبء الخفي (غير المنظور ) Hidden burden ويتمثل في الوصمة التي تسببها الإصابة بالمرض العقلي وانتهاك الحقوق الأساسية للمريض ، ويترتب على ذلك مشاعر العزلة والإذلال والحرمان من العلاقات الاجتماعية .

- عبء المستقبل Future burden وهو توقع تزايد حالات الإصابة بالاضطرابات النفسية وما يترتب عليها من إعاقة عقلية نتيجة لزيادة انتشار الأمراض النفسية ، وزيادة أعداد المسنين ، والتغييرات التي يشهدها العالم نتيجة للصراعات والحروب والكوارث الطبيعية ، ومن شأن هذه الأعباء التأثير بصورة مباشرة أو غير مباشرة على حصول المرضى النفسيين على حقوقهم مثل حق العدالة في الرعاية والخدمات الصحية دون تفرقة ، وحق الحرية للمرضى بأن لا يتم احتجازهم أو تقيد حريتهم ، وحق الحماية من الانتهاك ، وعدم التعرض للإساءة البدنية أو الجنسية ، وحق الموافقة على العلاج دون إجبار،وحق تحكم المرضى وسيطرتهم على أموالهم وممتلكاتهم دون أن يغتصبها أحد.
 

طبيعة الأمراض النفسية  .

تختلف طبيعة الأمراض النفسية عن غيرها من المشكلات الصحية الأخرى ، وترتبط الأمراض النفسية ببعض المفاهيم والمعتقدات Concepts and beliefs في مجتمعات العالم المختلفة خصوصاً المجتمعات الشرقية حيث يحيط الكثير من الغموض بالمرض النفسي، ويدفع ذلك إلى أن يعزو الناس الإصابة بالأمراض النفسية إلى تأثير القوى الخفية مثل السحر والجن والحسد ، ويرتبط ذلك بالخلفية الثقافية والاجتماعية في بلدان العالم العربي والإسلامي ، كما تؤكد بعض الدراسات النفسية العربية.

وتذكر دراسات أخرى أن الكثير من المرضى النفسيين لا يحصلون على الرعاية والعلاج الملائم نتيجة اللجوء إلى وسائل غير طبية للعلاج لدى الدجالين وأدعياء الطب ، وينشأ عن ذلك تأخر عرض حالات المرضى على الطب النفسي الحديث وتعرضهم للمضاعفات والمعاناة لفترات طويلة،ويتعلق ذلك بصورة مباشرة بحقوق المرضى النفسيين حيث يتعرض بعضهم لانتهاكات وممارسات غير أخلاقية ، بالإضافة إلى الإهمال والابتزاز والعنف والإساءة الجنسية ، وقد تم دراسة ظاهرة وصمة المرض العقلي Stigma of mental illness في الثقافة العربية حيث أظهرت نتائج الأبحاث ارتباط المرض النفسي بوصمة الجنون لدى المرضى وأقاربهم ، ويمتد تأثير هذه الوصمة ليشمل تخصص الطب النفسي و العلاج في المستشفيات والعيادات النفسية مما يدفع المريض النفسي وأهله إلى تجنب التعامل مع الطب النفسي، ومحاولة إخفاء الإصابة بالمرض النفسي،وذلك حتى لا يتأثر وضعهم الاجتماعي .

وقد ذكرت دراسات أخرى في بلدان العالم عموما ، وفى المجتمعات العربية أيضا وجود اتجاهات سلبية Negative attitudes لدى عامة الناس نحو المرضى النفسيين ،وتسهم هذه الاتجاهات السلبية في الإضافة إلى متاعب المرضى النفسيين وزيادة عزلتهم عن المجتمع ، كما يؤثر ذلك في مشاعر المرضى النفسيين ويحول دون حصولهم على حقهم في الرعاية والاهتمام، وهو دليل على عدم تفهم طبيعة الأمراض النفسية ومعاناة المرضى النفسيين ، ويشير إلى ذلك دراسات أجريت في بعض المجتمعات العربية لتحديد اتجاهات العامة وطلاب الطب والأطباء الممارسين وطلاب أقسام علم النفس بالجامعات نحو المرضى النفسيين ، وأظهرت نتائجها وجود اتجاه سلبي تتمثل في النفور من المرضي النفسيين وعدم قبولهم في المجتمع .

وقد تم اقتراح خطوات محددة في تقارير منظمة الصحة العالمية تهدف إلى تخفيف أعباء المرضى النفسيين ، ومساعدة المرضى وأسرهم في تحمل المعاناة الناجمة عن أعباء المرض النفسي ، ولعل هذه القراءة في التقارير العالمية حول الأمراض النفسية وانتشارها في العالم اليوم والاتجاه إلى زيادة أعداد المصابين بها في كل مجتمعات العالم يدفع إلى المزيد من الاهتمام لدى كل الجهات للتأكيد علي أهمية الوقاية والعلاج من الاضطرابات النفسية حتى تتجنب الأجيال الحالية والمقبلة المعاناة والأعباء التي يسببها المرض النفسي مع تمنياتنا للجميع بصحة نفسية دائمة .
 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق