السبت، 20 أكتوبر 2012

مفهوم التغيير في الإسلام مدونة النقاش الحر:

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين ومن سار على دربه إلى يوم الدين وبعد :

إن الله عز وجل حين خلق هذا الإنسان لم يخلقه عبثا ، بل جعل له مهمة محددة وغاية من خلقه ، تتمثل في عبادته يقول تعالى : ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ) ويقول تعالى مبينا سر الحياة والموت : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) فهذه الحياة هي في حقيقتها ابتلاء يتمايز فيه الناس بين الخير والشر.

وقد جعل الله حركة هذا الكون تسير بنظام دقيق ، وسنن جارية على خلقه ، تضبط حركة هذا الكون وحركة الإنسان ، لينسجم هذا الإنسان ويستطيع تجاوز الانتحانات والابتلاءات الإلهية بنجاح وتفوق ، أما من تصادم مع حركة الكون وسنن الله فسيفقد القدرة على الانطلاق والنجاح ، وسيبقى متخبطا في مسيرته وحركته لا يدري وجهته ولا حركته حتى يبوء بالفشل والخسران العظيم.
وسنن الله في هذا الكون متعددة ومتنوعة( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) ( آل عمران :137) ، منها سنة الابتلاء ومنها سنة التدرج وسنة التدافع وسنة التغيير الذي تعتبر محور حديثنا في هذا المقال.

مفهوم التغيير في الإسلام:أولا : معنى التغيير في اللغة هو تغير الحال ويستخدم للدلالة على التغير والتحول الإيجابي أو التحول السلبي كما وردت في المعاجم.
أما التغيير في الإسلام فهو يعني تغيير المنهج الظالم فكريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا واحلال المنهج الإسلامي فكريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا.

وقد فسر الإسلام والقرآن الكريم حركة التغيير الإيجابي والسلبي في حياة البشر ، ووضع الضوابط التي تضبط حركة التغيير ، فالتغيير في المجتمعات لا يسير بحركة عبثية بل بقانون وسنة تضبط حركة هذا التغيير.

التغيير الإيجابي :أشار القرآن الكريم حركة التغيير الإيجابي مبينا عوامله وأسبابه فيقول تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ( الرعد : 11)
إن التغيير الحقيقي يأتي بادئ ذي بدئ من خلال إرادة التغيير ، فإن لم تكن هناك إرادة حقيقية للتغيير لن يكون هناك تغيير ، وإرادة التغيير تكمن في النفوس التي تهفو إلى التغيير ، ليس شعارت وليس كلمات ، بل هي رغبة حقيقية للتغيير نحو الأفضل ، يتبعها حركة حقيقية تجاه التغيير .
وهذا يعكس حال وواقع المسلمين الذين يعيشون حالة التناقض والانفصام بين الرغبة في التغيير وفقدان إرادة التغيير ، حتى يكاد ينطبق على الكثير قوله تعالى : ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون ) (يونس: 7)

التغيير نحو الأفضل يحتاج إلى الإرادة والحركة ولا يحتاج إلى الشعارات ، يحتاج إلى العمل الصالح واستنفاذ كل الطاقات وشحذ الهمم ، وفي هذا يقول عز وجل : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) ( النور ك55)
لقد اشترط القرآن الإيمان الصادق والعمل الصالح كأدوات للتغيير ، وهذا قانون إلهي يسري على المؤمنين في كل مكان وزمان ، وبدونهما لن يكون تغيير وتبديل .

وحول هذين الشرطين الإيمان الصادق والعمل الصالح يقول عز وجل : (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين)( آل عمران : 139 :140)
إن النصر الحقيقي والتغيير والتبديل والصعود لا يتأتى إلا بالإيمان الصادق والصبر على الآلام وعلى مشقة الطريق ، والإيمان هو ما ورد بالقلب وصدقه العمل ، لذلك كان التعقيب القرآني ( وليعلم الله الذين آمنوا)فهناك الادعاء وهناك القول باللسان دون العمل بالأركان ، فالإيمان هو تصديق بالجنان وعمل بالأركان.
قد يتساءل البعض والكثير عن عوامل الضعف وتأخر النصر والتغيير ، والقرآن الكريم يصف ذلك ويلقي الضوء بشكل لا لبس ولا غموض فيه ، أن المشكلة هي مشكلة نفوس وإرادة التغيير.

وهذا يذكرني بقول الشاعر أبي القاسم الشابي _ على الرغم من الانتقاد الموجه للبيت الشعري_ :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلـــــــــي ولابد للقيد أن ينكســــر

إن لم تتوفر الإرادة الحقيقية والتي تتجلى مظاهرها من خلال الحركة والفعل لن يكون هناك تغيير ونصر، واليوم واقع الأمة يعكس حجم الاحباط وكثرة الشعارت وقلة الأفعال ، ناهيك عن أبواق الظالمين ومدى تأثر المسلمين بها من خلال قلة الوعي تارة ، وتارة غشاوة البصر والبصيرة بحب الدنيا وحطامها وإيثارها على الآخرة، ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ( محمد:7)فحقيقة النصر تكمن في الانتصار للعقيدة والمنهج الإسلامي وأي خلط وأي رغبات دنيوية مصيرها الفشل والانكسار والهزيمة ، فلا مصالح ولا مكاسب دنيوية ولا تقاطع المصالح مع الظلمة والمستكبرين قادرة على التغيير والتبديل ، فالانتصار هو انتصار العقيدة ، انتصار حب الآخرة على حب الدنيا وزينتها وزخرفها، فقد يقيس الإنسان بعقله المصالح الدنيوية الآنية وتأسره ويخسر آخرته أمام ما يستشعره أنه ربح سريع وهو في حقيقته خسارة عظيمة.

وفي أكثر من موقع حذر القرآن الكريم عن الخلط والارتداد عن المنهج القويم فيقول عز وجل : ( يا أيه الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) ( المائدة:54)

هذه هي صفات المؤمنين المخلصين الصادقين ، تواضعهم وحبهم للمؤمنين وعزهم على الكافرين وجهادهم في سبيل الله رغم ارجاف المرجفين واللائمين ، وهذا في حقيقته توفيق وفضل من الله لمن رأى فيه صدق الإيمان وصدق العزم والتوكل على الله.

التغيير السلبي:
يقول تعالى : ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ) ( الأنفال:53)
ويقول تعالى : ( وضرب الله مثلا قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) ( النحل :112)
بذات المنهج وبذات القوانين والمعايير الضابطة نرى التغيير السلبي ، فالكفر والأعمال الفاسدة والظالمة
هي التي تقود المجتمع نحو الهاوية ،ويقول تعالى محذرا من العاقبة : ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وماكان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ) ( فاطر:44)

إن مشكلة الأمة اليوم هي مشكلة فكرية وثقافية ، لقد تغيرت القيم والمفاهيم ، واختلطت المشارب حتى فقد الكثير من أبناء الإسلام اليوم قدرتهم على التمييز ، وأصبحوا ضحية للغزو الفكري الغربي تارة ، وتارة ضحية للفكر الجاهل الذي يغلق العقول والأفهام أمام حقيقة هذا الدين وحقيقة هذا الإسلام.

نحن بحاجة اليوم إلى صفاء ونقاء المشرب والنبع الذي نشرب منه ، حتى تنضج وتتضح لدينا القيم والمفاهيم الإسلامية الأصيلة ، لقد جاء هذا الدين ليغير نفوس الناس قبل أن يغر واقعهم ، فالواقع يتغير تبعا لتغير الفكر والثقافة .
لقد جاء الإسلام ونزل على أمة كانت في ذيل الأمم حتى أصبحت تقود البشرية بعد أن رسخت الأفكار والقيم في نفوس الناس فتغير حالهم وواقعهم .
لذلك نرى أنه من الضروري أن تكون هناك ثورة فكرية وثقافية قبل أن نفكر بأي تغيير في واقع الأمة ، لابد أن يكون تغييرا على مستوى الأفراد ثم الجماعات وصولا إلى المجتمعات.
فاقد الشيء لا يعطيه ، فالمسلمون كأصحاب رسالة سماوية ، وشهادتهم على الناس يجعلهم في وضعية تفرض عليهم أن يتمثلوا المنهج الإسلامي بكل قيمه وأخلاقه يقول تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)( البقرة : (143)

إن ما يجري من فتن وابتلاء في واقع المسلمين اليوم يعكس الخلل الفكري والثقافي الذي يجتاح الأمة ، وإنشاد التغيير والنصر يتطلب منا حشد الطاقات الفكرية والثقافية واستنهاض الهمم في التمسك والالتزام الحقيقي بالإسلام وأخلاقياته ومعاييره( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)(محمد:38)



تم تعديله بواسطة الحوراء زينب في 11/6/2006 ، الساعة: 5:02ص
التـوقـيع
ابن فلسطين
مدونة النقاش الحر:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق