عبد الحق منصوري – ما الذي يقف وراء ارتفاع معدلات الجريمة في العالم العربي؟

لا تسأل عن السبب. فالكل يعرف ان الفقر والبطالة يشكلان القوة المحركة للجريمة.

وتقول مؤسسات وزارات الداخلية في العديد من البلدان العربية ان ظاهرة انتشار الجريمة تشكل تحولا ملفتا في الأوضاع الاجتماعية. فحتى سنوات قليلة مضت كان الجريمة "عملا" يرتكبه الرجال غالبا، إلا ان النساء صرن يدخلن على الخط أيضا.

وتشير معلومات الشرطة إلى تنامي جرائم السرقة والاعتداء بالأسلحة النارية والبيضاء في المدن الكبرى، والتجمعات السكنية ذات الكثافة العالية.

ويرجع المراقبون تنامي معدلات الجريمة إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية نتيجة التحولات الاقتصادية التي تشهدها العديد من الأقطار العربية وارتفاع مستوى البطالة، إلى جانب تراجع الإجراءات المتخذة للحد من جرائم السرقة والاعتداء على حياة الأفراد بسبب التركيز على مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، بالإضافة إلى البطالة والبؤس، لا سيما وأن ثلث العرب يعيشون تحت خط الفقر.

ويشير المختصون إلى أن الفقر هو أب الشرور كلها ويبرهنون على ذلك بارتفاع نسب الاعتداءات والسرقة في الأوساط الشعبية الأكثر بؤسا، فكلما زادت نسبة الفقراء تفشت الجريمة بكل أشكالها، في غياب تدخل عناصر الشرطة الذين لا يستطيعون وفق القانون السائد استباق الأمر والتدخل دون وجود دليل مادي وهو ما شجع هذه الظاهرة التي أخذت لها أبعادا أخرى باعتمادها على تكنولوجية الهاتف النقال في رصد تحركات الشرطة. وبدل أن يحاصر الشرطي المجرم، أصبح الشرطي هو المحاصر والمقيد.

وتحاول السلطات التأقلم مع هذا الواقع بالتركيز على الحلول الأمنية. ويقول مسؤولون امنيون ان أجهزة الأمن تقوم بإعداد دراسات حول مستويات الجريمة ومناطق انتشارها، بهدف وضع مخططات لتوزيع مراكز الشرطة والأمن في مختلف المناطق التي تشهد ارتفاعا في نسبة الجريمة والاعتداءات، خاصة في الأحياء الشعبية والتجمعات السكانية التي تنعدم بجوارها المراكز الأمنية.

وفي السنوات الأخيرة أخذت الجريمة المنظمة أبعادا خطيرة ومستويات لم يكن يشاهدها المواطن سوى في الأفلام البوليسية الهوليودية، ويذهب المنتقدون لارتفاع نسب الجريمة إلى القول إنها تكاد تبلغ مستويات الجريمة التي تعرفها شوارع جنوب إفريقيا أو مدينة نيويورك التي تسجل بها جريمة كل ثانية.

ويذكر تقرير منسوب إلى مصالح الأمن (في الجزائر على سبيل المثال) أنه تم خلال شهر مارس- آذار الماضي تسجيل أكثر من 4 آلاف قضية متعلقة بالإجرام والجنح، تم بمقتضاها توقيف 5583 شخصا أودع منهم 2210 أشخاص، كما تشير الأرقام الصادرة عن قيادة الدرك الوطني، أنه تم تسجيل 1107 قضية متعلقة بالجريمة المنظمة عبر تراب الجزائري

وتؤكد الأرقام التي سجلتها مصالح الدرك الجزائري، أن جريمة السرقة تتصدر قائمة أكبر الجرائم في الجزائر حيث عالجت مصالح الدرك الوطني خلال نفس الفترة 519 قضية، تم توقيف خلالها 446 شخصا، نصف عددهم أودعوا الحبس، لتليها جريمة الضرب والجرح العمدي بإحصاء 310 قضية، أسفرت عن توقيف 475 شخصا، كما أوقفت ذات المصالح أكثر من 200 شخص تورطوا في تكوين 83 جماعة أشرار، أما فيما يخص الجريمة المنظمة، فقد سجلت قيادة الدرك 1107 قضية منها 300 قضية عولجت خلال مارس-آذار، متعلقة بالمتاجرة وحيازة المخدرات أوقف خلالها 500 شخص أودع منهم 370 شخصا الحبس، وتم حجز ما يقارب 10 آلاف كيلوغرام من القنب الهندي، و295 نبتة العفيون و29 أخرى للقنب الهندي، كما حجزت 507 أقراص مهلوسة، كما تورط 128 شخصا في 101 قضية متعلقة بحيازة الأسلحة والذخيرة أودع 61 منهم الحبس.

وتأتي التهديدات بالقتل في الترتيب الثالث من حيث تصنيف الجرائم العنيفة الأكثر انتشارا في المجتمع الجزائري بـ148 قضية تهديد منها تهديد بالقتل باستخدام سلاح أبيض بـ 28 قضية و7 قضايا باستخدام سلاح ناري، فيما تشير التقارير الأمنية إلى انخراط الشباب من الجنسين باعتبارهم أكبر الموقوفين في هذا النوع من الجرائم المصنفة ضمن الإجرام العنيف وتتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما في الإجرام، إضافة إلى القصر بتنفيذ اعتداءات باستخدام السلاح الأبيض، وتكشف التقارير عن الجرائم الأكثر انتشارا في المجتمع الجزائري الذي يواجه اليوم مخلفات سنوات العنف.

ويلفت مختصون إلى أن العنصر النسائي أصبح حاضرا بقوة في عالم الجريمة، وهو ما يتفق مع دراسات اجتماعية تؤكد أن أكثر من ألفي امرأة دخلن عالم الإجرام خلال السنوات الأخيرة، وبعيدا عن الجرائم التقليدية كالدعارة اقتحم كثير من النساء ميادين أخرى منها جرائم الضرب والجرح بالسلاح الأبيض وسرقة السيارات وتزوير وثائق السيارات والنقود وتهريب السجائر والمتاجرة بالمخدرات والاحتيال.

وترجع أهم الأسباب التي تدفع المرأة لولوج عالم الجريمة في إلى الظروف الاجتماعية السيئة، كالفقر وأزمة السكن والتسرب المدرسي، والظروف الأسرية غير السوية، كحالات الطلاق والتفكك الأسري.

ويعتبر خبراء أن دخول العنصر النسائي على نطاق واسع في ميادين الجريمة يعني أن تصحيح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية سيتطلب مجهودا مضاعفا، وذلك هو الحل الذي يمكن أن ينقذ المجتمع من براثن الجريمة ويوفر لها مجتمع السلم الذي تصبو إليه، وبما يتوفر فيه من أمن وتنمية.

وفي نموذج آخر، يلاحظ خبراء أردنيون ارتفاعا مهولا في معدل الجريمة، لاسيما جرائم القتل التي تؤثر في الرأي العام، حيث تتعدد مظاهر هذه الحوادث ابتداء من جرائم الشرف إلى قتل الأبناء والانتحار وكل صنوف العنف اليومي المؤدي إلى القتل وصولا إلى السطو المسلح، وبينما يعزو متخصصون تنامي نسبة الجرائم إلى غياب الدولة وعجزها عن استخدام أدوات أكثر فاعلية في سبيل نشر القانون فضلا عن انتشار العمل بالقوانين العشائرية، يرى آخرون أن هناك عوامل عديدة تجعل من العنف جزءا من الحياة اليومية للأردنيين، يزداد مع اتساع نطاق البطالة والفقر وتداعيات الأزمة الاقتصادية.

وبينت دراسة صادرة عن مديرية الأمن العام أنه خلال شهر كانون الثاني- يناير الماضي انخفض معدل الجريمة بنسبة 37 بالمئة، إلا أن هذا المعدل عاد ليرتفع في الأشهر اللاحقة ليبلغ ذروته خلال شهر أغسطس- آب وسبتمبر- أيلول الجاري إلى مستويات غير مسبوقة.

وتحفل الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية المحلية بجرائم جرائم قتل ذات أبعاد اجتماعية ومالية وعشائرية، في سجلت جرائم الانتحار هي الأخرى مزيدا من الارتفاع، حيث سجلت جرائم القتل 4 حالات منذ مطلع سبتمبر الحالي، فيما سجلت حالة انتحار واحدة، في الوقت الذي انتهى فيه شهر أغسطس بـ16 جريمة قتل و4 حالات انتحار، وهو رقم كبير بالنسبة للمشهد الاجتماعي الأردني، الذي لم يعرف هذا الحجم من الجرائم في تاريخه.

وحسب دراسة أجراها مركز تطوير المجتمع المدني فإن الأردن يشهد سنويا ما بين 15 و25 جريمة قتل تصنف على أنها "جرائم شرف"، وخلال الربع الأول من العام الجاري جرى تسجيل 11 حالة.

وتلعب العادات العشائرية دورا هاما في تمتع هذه الجرائم بـ "حصانة" من ملاحقة القانون المحلي الذي يبدو أنه عجز عن محاصرتها بحسب تقارير دولية نددت بشدة بهذه الظاهرة وطالبت السلطات بوقف هذا النزيف.

ولا تقف عوامل "العفة" و"حرمة المرأة" وغيرها في مقدمة الأسباب المساهمة في ارتفاع هذه الجرائم، بل تتعداها إلى ارتفاع نسب العنوسة والعزوبية لدى الجنسين.

ويعد الوضع الاقتصادي للمملكة بشكل عام وللأفراد بشكل خاص عاملا مهما في الأمن الوطني وأمن الفرد، وتعكس الأرقام المنشورة عن تردي الوضع الاقتصادي بالأردن في الأشهر الماضية ما يصيب المجتمع من تدهور على المستوى الأمني، فقد ارتفع مستوى البطالة بنسبة 13 بالمئة خلال الربع الثاني من العام الحالي 2009، في حين انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الأردن خلال الربع الأول من عام 2009 بحوالي 497.7 مليون دينار.

ولا يحتاج الربط بين ارتفاع نسبة البطالة والجريمة إلى تعليل، في الوقت الذي تركز فيه دراسات اقتصاديات الجريمة أبحاثها للإجابة على سؤال هو هل الجريمة تسبب البطالة؟ أم البطالة تسبب الجريمة؟ أم أن هناك عاملا ثالثا يسبب الاثنين معا.

وبينما يستغرق الباحثون في الإجابة عن هذه الأسئلة والبحث عن الأسباب البعيدة، يؤكد المراقبون في واقع الحال أن الأزمة المالية العالمية التي انعكست على اقتصاد الأردن الهش ساهمت بقدر كبير في ارتفاع نسب البطالة والجريمة.

وتظهر إحصائيات أصدرها الفني في محكمة التمييز الأردنية ارتفاع اعداد القضايا المسجلة امام المحاكم النظامية خلال السبعة اشهر الاولى من العام الماضي، وبلغت اعداد القضايا الواردة للمحاكم منذ مطلع العام حتى نهاية تموز الماضي 272501 قضية في حين بلغ عدد القضايا لنفس الفترة من العام الماضي 228754 ، بما يؤكد أن 43747 قضية زادت عن العام الماضي.

وتشكل الجرائم المرتبطة بالدعارة مظهرا آخر من مظاهر التفشي التي ترهق المجتمعات العربية.

ويلاحظ المراقبون أن "دور الدعارة شهدت في الآونة الأخيرة تزايدا مضطردا وتستقطب بعض الميسورين والأجانب من الدول العربية والأوروبية"، وأن بعض هذه الشقق ترجع ملكيته إلى "بعض الشيوخ من الخليج.. الذين يستثمرون الملايين في تجارة الجنس تحت ستار المشاريع السياحية والتجارية".

وتقول جمعية إنصاف" المغربية ان ازدياد الفقر وانخفاض الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف وارتفاع أسعار المواد الغذائية وباقي أسعار الخدمات وغلاء المعيشة، فإن عدد الفتيات اللواتي سيدخلن سوق الدعارة من المتوقع ان يزداد، كما ان عدد الأمهات العازبات سوف يرتفع.

وتشير الجمعية في تقرير أصدرته العام الماضي إلى وجود حوالي 5 آلاف أم عزباء في الدار البيضاء، (أي امرأة أنجبت دون زواج رسمي).

وتقول الجمعية إن أعمار 55% من هؤلاء "الأمهات الفتيات" تراوح ما بين 19 و26 سنة، بينما تتجاوز نسبة 36% منهن عمر الـ27 سنة، في حين أن 9% الباقية من الأمهات العزباوات بنفس المدينة تتراوح أعمارهن بين 14 و18 سنة.

هذه الأرقام المفزعة تؤكد أن المغرب يعيش مشكلة حقيقية مع الدعارة، تزيد من فداحتها بعض التقارير الأجنبية، من قبيل تقرير أميركي صدر في حزيران-يونيو من العام الماضي، أكد أن المغرب أصبح مصدرا أساسيا لتجارة النساء ومعبرا لشبكات الاتجار بالرقيق الأبيض، وقال التقرير "إن تلك الرقعة العربية التي تناجي المحيط الأطلنطي تحولت إلى مورد للنساء لاستغلالهن في الدعارة بدول الخليج وتركيا وقبرص وعدد من الدول الأوروبية، كما أصبحت "ترانزيت" لنساء قادمات من دول جنوب الصحراء والهند، وبلدان شرق آسيا الفقيرة لذات الغرض".

وتؤكد دراسة حديثة أنّ الوضع الاجتماعي ولاسيما الفقر يلعب دورا مهما في قيادة الفتيات إلى هذا المصير زيادة على الأمية، وقالت الدراسة إنّ "31.5% من اللواتي شملتهن الدراسة لم تدخلن المدارس البتة، لكنّ المفارقة أيضا أنّ نسبة 21% من العاملات في هذا الميدان دخلن الجامعات وحصل بعضهن على شهادات علمية مرموقة".

وتتقاطع العديد من الدراسات في كشف مفارقات كبيرة للدعارة في المغرب، تؤدي إلى طرح إشكاليات تتعقد مع مرور الزمن يأتي في صدارتها الفقر والبطالة وما ينجر عنهما من تفكك لأسر بأكملها تدفع بالمزيد من الأفراد نحو الانحراف.

ويتفق المهتمون بالقضايا الاجتماعية أن الدعارة أصبحت كابوسا يؤرق الجميع السلطات ومنظمات المجتمع المدني، ويتوسع هذا الكابوس أيضا ليصبح مثارا للجدل في الخارج ودافعا لصدور التقارير المغرضة.


والمهمة التي تواجه المسؤولين والمخططين الحكوميين لا تقتصر على مكافحة الجريمة بحد ذاتها، فهذا هو الجزء الأقل قيمة في العمل الأمني، بل انها تمتد لمكلفحة مصادر انتاجها.